المطلب لأول: الإجراءات السابقة على ممارسة الرجوع الصرفي:
لقبول دعوى الرجوع الصرفي، فإنه لابد من الحامل الشرعي للورقة التجارية أن يحترم إجرائين أساسيين، التي تعتبر من الشروط الشكلية أو الخاصة قبل تقييد الدعوى القضائية من طرف الحامل، وتتعلق هذه الإجراءات بتقديم الإحتجاج (الفقرة الأولى) و الإعلام (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الاحتجاج.
تنص المادة 197 من مدونة التجارة على أنه: "يجب أن يثبت الامتناع عن القبول أو الوفاء في محرر رسمي يسمى احتجاج عدم القبول أو احتجاج عدم الوفاء"، كما تنص المادة 299 من نفس القانون على أنه "لا إجراء من طرف حامل الشيك يغني عن الاحتجاج إلا في الحالة المنصوص عليها في المادة 276 وما يليها المتعلقة بفقدان الشيك وسرقته"، وهكذا فإن الاحتجاج إجراء قانوني يتم في محرر رسمي يهدف إلى إثبات واقعة الامتناع عن تنفيذ المدين بالورقة التجارية لالتزامه، وجعله في حالة مطل حتى يتسنى لحامل الشيك أو الكمبيالة أو السند لأمر إقامة الرجوع الصرفي، بمعنى أن الاحتجاج إجراء ضروري قبل رفع الدعوى تحت طائلة سقوط الحق باستثناء الإعفاءات القانونية والاتفاقية. ونظرا لأهمية الاحتجاج وإلزاميته، فقد ذهبت محكمة الاستناف بالدار البيضاء في قرارها الصادر بتاريخ 23 مارس 1993 إلى القول بسقوط حق الحامل الذي لم يقم بتقديم احتجاج عدم القبول، فقد جاء في القرار المذكور"حيث إن دفوع المستأنف انحصرت في كون الفصل 161 من القانون التجاري يقضي بإثبات الامتناع في محرر رسمي البروتستو وأن المستأنف ضده لم يسلك مسطرة الاحتجاج، وحيث إنه طبقا للفصل 161 من القانون التجاري، فإن حق الحامل يسقط في الرجوع على المظهرين والساحب وبقية الملتزمين باستثناء القابل" . والملاحظ بهذا الصدد أن المشرع المغربي أعطى للاحتجاج مكانة هامة، وضيق من حالات الاستغناء عنه لدرجة أنه حتى بالنسبة للشيك الذي يحصل كل حامل له في حالة عدم وجود مؤونة كافية على "شهادة رفض الأداء" من طرف البنك المسحوب عليه، فإن هذه الشهادة لا تمكن حامل الشيك من إقامة دعوى صرفية، لأن دورها ينحصر فقط في إمكانية تحريك الدعوى العمومية ضد الساحب ودعوى ملكية المؤونة، رغم أن هذه الشهادة وثيقة تثبت مطل المدين بمبلغ الشيك ومن شأنها القيام مقام الاحتجاج في جميع وظائفه . ومراعاة للسرعة التي تتطلبها المعاملات التجارية فإن هذا الاحتجاج يجب إجراءه داخل آجال قصيرة، فبالنسبة للشيك وبما أنه واجب الأداء الفوري فإن الاحتجاج يجب إقامته قبل انقضاء أجل التقديم (المادة 284 من مدونة التجارة)، وبالنسبة للكمبيالة داخل أجل الأيام الخمس الموالية لتاريخ استحقاقها، عدا إذا كانت مستحقة الأداء عند الاطلاع عليها حيث يجب إقامة احتجاج عدم الوفاء بشأنها يوم تقديمها للاطلاع، مع مراعاة أجل سنة من إنشائها (لمادة 175 من مدونة التجارة) وبالرجوع إلى المقتضيات القانونية الخاصة بشكلية الاحتجاج بعدم وفاء الورقة التجارية، نجد أن المواد 209، 210، 297 و298 من مدونة التجارة ألزمت تحرير الاحتجاج في وثيقة رسمية من قبل عون من أعوان كتابة ضبط المحكمة التجارية التي يوجد بدائرة نفوذها موطن الملزم بالوفاء، باعتبارها الجهة التي تقوم بتحرير هذ الاحتجاج، كما حددت البيانات التي تضمن بسند الاحتجاج وهي: النص الحرفي للورقة التجارية، التظهيرات، الإنذار بوفاء قيمة الورقة، العنوان الكامل للمدين، حضوره أو غيابه، أسباب رفض الوفاء، العجز عن التوقيع أو رفضه.
الفقرة الثانية: إعلام الموقعين على الورقة التجارية .
فھذا الإعلام أو الإخطار أو الإشعار ھو إجراء آخر استلزمه المشرع قبل رفع دعوى الرجوع الصرفي . و الھدف منه ھو قیام حامل الورقة التجاریة، بإخبار من ظھر إلیه ھذه الورقة، مرورا بجمیع الموقعین علیھا إلى أن یصل الأمر إلى علم الساحب، بامتناع المسحوب علیه عن قبولھا أو الوفاء بقیمتھا، و ذلك لكي یستعدوا لأداء المبلغ عند الرجوع علیھم . و فیما یخص كیفیة توجیه ھذا الإعلام فقد تطرق إلیه المشرع في كل من المادتین 199 فیما یتعلق بالكمبیالة والمادة 285 فیما یتعلق الشیك. فبالنسبة للكمبیالة: فإن الحامل ملزم بتوجیه الإعلام بعدم قبولھا أو وفاء مبلغھا إلى من قام بتظھیرھا له، وذلك داخل أجل ستة أیام العمل التي تلي یوم إقامة الاحتجاج، و في الكمبیالة التي یوجد فیھا بیان الرجوع بدون مصاریف ، تبدأ المدة المذكورة اعتبارا من یوم تقدیمھا للوفاء. وینتقل الالتزام بالإعلام بعد ذلك مباشرة إلى المظھر الذي توصل بالإعلام من الحامل، لیباشر نفس الإجراء تجاه مظھره ھو أیضا، وذلك داخل أجل ثلاثة أیام العمل الموالیة لتلقیه الإعلام، وھكذا دوالیك إلى أن یصل الأمر إلى علم الساحب. أما بالنسبة للشیك: فإن أحكام الإعلام لا تختلف عن تلك المتعلقة بالكمبیالة إلا فیما یتعلق بالآجال، حیث نصت المادة 285 من مدونة التجارة على وجوب توجیھه من قبل الحامل في ظرف ثمانیة أیام العمل التي تلي یوم إقامة الاحتجاج، وفي حالة اشتراط الرجوع بلا مصاریف يعتبر من یوم التقدیم، وداخل أربعة أیام من یوم تلقي الإعلام بالنسبة للمظھرین. ولم يضع المشرع المغربي شكلا معينا للإعلام، بحيث يمكن توجيهه بأية طريقة وحتى بمجرد إرجاع الكمبيالة ذاتها، فقد نصت الفقرة السادسة من المادة 199 من مدونة التجارة "يجوز لمن كان عليه أن يوجه إعلاما أن يوجهه بأية طريقة كانت ولو بمجرد إرجاع الكمبيالة". يجوز إذن توجيه الإعلام بأية وسيلة، فقد يتم بواسطة رسالة أو فاكس وحتى بواسطة الهاتف على شرط أن يثبت وقوعه داخل الأجل القانوني . بل إن بعض الفقه یذھب أبعد من ذلك و یقول بأنه لا مانع من أن یتم ھذا الإعلام بطریقة شفویة مادام أن المشرع لم یحدد طریقة معینة، لكن أمام ضرورة إثبات ھذا الإجراء داخل الأجل القانوني فإنه یكون من الأفضل و الأنجع توجیھه كتابة و بطرق التبلیغ المنصوص علیھا في قانون المسطرة المدنیة. ونتساءل الآن عن الجزاء القانوني الذي يترتب عن الإخلال بالتزام الإعلام؟ لا يترتب على من لم يوجه الإعلام داخل الأجل القانوني المشار إليه سابقا سقوط حق الرجوع على خلاف عدم التقديم في الأجل القانوني، أو عدم إقامة الاحتجاج أو عدم احترام أجله، وكل ما في الأمر يتحمل المخل بإصلاح الأضرار التي تسبب فيها نتيجة إهماله وتقاعسه عن القيام بالإعلام في الأجل القانوني، كأن يفوت بسبب التأخير في الإعلام عن أحد المظهرين الرجوع على مظهر الكمبيالة – كأن يحكم عليه فيما بعد بالتسوية أو التصفية القضائية المادة 196 مثلا – وعلى أي، فلا تعويض دون حدوث أضرار على شرط ألا يتجاوز قدر التعويض في كل الأحوال مبلغ الكمبيالة طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 199 من مدونة التجارة . وقد يختلط الأمر بين الإعلام والاحتجاج، خاصة إذا تم توجيه الأول كتابة، إلا أن الفرق بينهما شاسع، فالاحتجاج إجراء ضروري حدد المشرع شكلياته لإثبات مطل المدين تحت طائلة سقوط الحق في الدعوى الصرفية، بيد أن الإعلام عبارة عن إشعار يتم بأية طريقة يجب توجيهه في جميع الأحوال حتى في حالة اشتراط الرجوع بلا مصاريف، ليعلم الجميع بنية الحامل في المقاضاة، ولا يترتب عن عدم توجيهه سقوط الحق، بل تترتب مسؤولية المخل به ويحق للمتضرر المطالبة بتعويض على ألا تتجاوز قيمته مبلغ الورقة التجارية .
المطلب الثاني: اجراءات ممارسة الرجوع الصرفي.
إذا لم يتمكن الحامل من استيفاء مبلغ الورقة التجارية، يمكنه استعمال حقه في الرجوع على كافة الملتزمين، و يمكن أن يكون هذا الرجوع إما رجوعا وديا (الفقرة الأولى)، أو رجوعا قضائيا في حالة عدم تمكنه من الحصول على الوفاء الودي (الفقرة الثانية).
الفقرة :الرجوع الودي.
يتخد الرجوع الصرفي أشكالا متعددة، ذلك أن الحامل قد يلجأ إلى المطالبة الودية بالوفاء على أي من الملتزمين المتضامنين سواء كان هذا الضامن هو الساحب أو المظهر أو الضامن الاحتياطي. إذ قد يفلح الحامل في الحصول على مبلغ الورقة التجارية، دون أن يطرق باب القضاء. فمثلا في الكمبيالة يمكن كذلك ان يبادر احد الضامنين بالوفاء تلقائيا و عن طواعية و اختيار على غثر توصله بالاعلام المنصوص عليه في امادة 199 من م، وذلك تفاديا للمصاريف و الفوائد، وحماية لمركزه الاجتماعي أو التجاري. كما إذا وفى الملتزم بجزء من الكمبيالة فليس له أن يطالب تسليمه الكمبيالة، بل إن حقه يكون محصورا في مطالبة الحامل بإثبات الوفاء على لكمبيالة، وتسليمه توصيلا بما أداه (المادة 185/3 من م.ت) لأن بقاء اكمبيالة في حوزة الحامل أمر ضروري لمباشرة الرجوع الصرفي على باقي الملتزمين.
الفقرة الثانية: الرجوع القضائي .
اذا لم يتمكن الحامل من الحصول على الوفاء الودي أمكن له ان يرفع دعواه الى المحكمة التجارية الكائن في دائرة نفوذها الموطن الحقيقي او المختار او محل اقامة المدعى عليه )مسحوب عليه، ساحب، متعهد، مظهر، ضامن الاحتياطي (… و اذا لم يكن له موطن في المغرب فأمام المحكمة التجارية الواقع بدائرة نفذوها موطن او محل إقامة الحامل أي المدعي وإذا تعدد المدعى عليهم، أمكن للمدعي ان يختارمحكمة موطن او محل إقامة أي واحد منهم مع مراعاة احكام المادة 12 التي تجيز الاتفاق الكتابي على اختيار المحكمة التجارية المختصة ، مع مراعات الاختصاص القيمي للمحكمة التجارية. ويمكن للحامل ان يوجه الدعوى ضد جميع الملتزمين حيث يسأل جميعهم على وجه التضامن نحو الحامل فرادى او جماعة دون ان يكون ملزما باتباع ترتيب معين، وينتقل نفس الحق الى الملتزم الذي أوفى مبلغ الورقة التجارية لحاملها وأبرء ذمته نحوه، كما لا يحول رفع دعوى اتجاه ملتزم دون مقاضاة باقي الملتزمين، ويمكن للحامل المطالبة من خلال هذه الدعوى بمبلغ الورقة التجارية بالإضافة الى الفوائد بالسعر القانوني ومصاريف الاحتجاج والاعلامات وغيرها. وتخضع مسطرة الدعوى الصرفية لمقتضيات القسم الرابع من قانون53.95 المتعلق بإحداث المحاكم التجارية، حيث ترفع هذه الدعوى بواسطة مقال مكتوب يوقعه محام، و تبت فيها وفقا للتشكيلة الجماعية كغيرها من دعاوى التجارية، بيد ان السرعة في الدعوى الصرفية تكون متوخاة اكثر نظرا لطبيعة موضوعها وكذا ضرورة الحفاظ على الحق الثابت للحامل في سند الورقة التجارية. كما يمكن للحامل ان يسلك مسطرة الامر بالأداء حيث تتميز هذه المسطرة ببساطة إجراءاتها وبسرعة البت وذلك كله من اجل تحقيق مصالح الدائنين دوي الديون الثابتة على الغير، حيث يقضي الفصل 155 من قانون المسطرة المدنية بأنه يمكن اجراء مسطرة الامر بالأداء في كل طلب تأدية مبلغ خمسة ألاف درهم مستحق بموجب ورقة تجارية حيث تم رفع هذا المبلغ بموجب قانون رقم 1.13 بعد ما كان في السابق ألفدرهم فقط. وتجدر الإشارة الى ان الاختصاص القيمي للجهة الموكول لها النظر في مسطرة الامر بالأداء موقوف على قيمة الورقة التجارية فاذا لم تتجاوز قيمتها عشرين ألف درهم انعقد الاختصاص لرئيس المحكمة التجارية اما إذا تجاوز هذا المبلغ حين اذ ينعقد الاختصاص لرئيس المحكمة التجارية، وتجدر الإشارة ان مسطرة الامر بالأداء مسطرة استعجالية مشمولة بالنفاذ المعجل وهو مقتضى مهم لتسريع المسطرة وبالتالي حماية حقوق الحامل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق