يعتبر التعاقد عن بعد بطريقة الكترونية من المواضيع التي فرضت نفسها على المعاملات التجارية التي تستلزم ربط المواطن بالشبكة العالمية للرواج و التبادل التجاريين، و استجابة لذلك و على غرار التشريعات المقارنة بادر المشرع المغربي الى المصادقة على القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية كإطار جديد للتعاقد عن بعد بين شخصين غائبين عن المجلس، معدلا بذلك مجموعة من نصوص ق.ل.ع حتى تنسجم مع التوجهات الجديدة التي أتى بها القانون الجديد. إذن ما هو عقد البيع الالكتروني، و ما هي الخصائص التي يتميز بها، وكيف يمكن تمييزه عن العقود التي تتشابه معه ؟ .
1ـ تعريف عقد البيع الالكتروني .
سنحاول الوقوف على التعريف التشريعي ثم التعريف الفقهي للعقد الالكتروني:
أـ التعريف التشريعي: في محاولة منا لإيجاد تعريف لعقد البيع الالكتروني بحثنا في محتوى القانون رقم 53.05 وجدنا أن المشرع المغربي لم يكلف نفسه عناء صياغة تعريف للعقد المومأ اليه اعلاه و هي نقطة إيجابية تحسب له على اعتبار أن مسألة تعريف المؤسسات القانونية هي من اختصاص الفقه والقضاء. لكن برجوعنا الى القوانين المقارنة والمنظمات الدولية نجد للعقد الالكتروني عدة تعريفات وهي تعريفات تنطبق على عقد البيع الالكتروني.
ونرصد اهم هذه التعريفات كما يلي: حيث تناول القانون النموذجي الصادر عن منظمة الأمم المتحدة و المتعلق بالتجارة الالكترونية العقد الالكتروني بالتعريف،و ذلك من خلال تعريفه لتبادل البيانات الالكترونية في المادة 2/ب بأنها " يراد بمصطلح تبادل البيانات الالكترونية نقل المعلومات من حاسوب الى حاسوب آخر باستخدام معيار متفق عليه لتكوين المعلومات"، ورأت اللجنة المعدة لهذا القانون أن هذا التعريف ينطبق على كل استعمالات المعلومات الالكترونية، ليشمل بذلك إبرام العقود و الأعمال التجارية المختلفة ، ويدخل ضمنها بطبيعة الحال عقد البيع الالكتروني الذي يعد من أهم العقود المعتمدة في التجارة الالكترونية.
كما عرفه المشرع الكندي من خلال القانون الخاص بولاية الكبيك لحماية المستهلك بأنه " تعاقد بين تاجر ومستهلك بدون تواجد مادي بينهما سواء في حالة الإيجاب أو القبول حال كون الإيجاب غير موجه الى مستهلك معين" كذلك بعض التشريعات العربية صاغت تعريفا لهذا العقد، حيث عرفه القانون المصري بأنه "هو كل معاملة تجارية تتم عن بعد باستخدام وسيلة الكترونية" ويعاب على هذا التعريف أنه ادمج من حيث التعريف تعريف التجارة الالكترونية و تعريف العقد الالكتروني .
كما عرفه قانون التجارة الالكتروني التونسي بأنه "أي معاملة تجارية سواء كان موضوعها سلعة أو خدمة أو أداء عمل يتم عن طريق المبادلات الالكترونية". و منه فإن عقد البيع الالكتروني هو ذلك العقد الذي يتم في إطار المعاملات التجارية الالكترونية و الذي يكون موضوعه مبادلة ما بين سلعة و ثمن شريطة أن يتم التعاقد بوثيقة الكترونية.
ب ـالتعريف الفقهي: لقد حاول مجموعة من الفقهاء صياغة تعريف للعقد الالكتروني الذي يدخل ضمنه عقد البيع الالكتروني نظرا للحداثة والخصوصية التي يتميز بها هذا الأخير. و في هذا الاتجاه عرف جانب من الفقه الامريكي العقد الالكتروني بأنه "ذلك العقد الذي ينطوي على تبادل للرسائل بين البائع والمشتري والتي تكون قائمة على صيغ متعددة سلفا ومعالجة الكترونيا تنشئ التزامات تعاقدية" كما يعرف العقد المومأ إليه اعلاه بأنه " تلك العملية التجارية التي تتم بين طرفين - بائع ومشتري- وتتمثل في عقد الصفقات وتسويق المنتجات عن طريق استخدام الحاسب الالكتروني عبر شبكة الانترنت، وذلك دون حاجة الى لانتقال الطرفين أو لقاؤهما، بل يتم التوقيع الكترونيا على العقد" .
كما عرفه جانب من الفقه بأنه" عرض مشروع للسلع والخدمات على موقع الانترنت ليحصل على على طلبات العملاء " .
الا أن هذين التعريفين الأخيرين قصرا التعاقد الالكتروني على وسيلة واحدة وهي شبكة المعلومات العالمية (الانترنت) رغم تعدد الوسائل تعدد الوسائل المتعلقة بالتعاقد الالكتروني .
ويعرف عقد البيع الالكتروني كذلك بأنه" العقد الذي ينشأ وينعقد في البيئة التجارية الالكترونية ويتم قيد التعبير عن الايجاب والقبول، وتلاقيهما كليا وعلى سبيل التطابق بواسطة أجهزة الكترونية قابلة للبرمجة تربط بينهما شبكة اتصالات دولية عن بعد ومتعددة الوسائط وقد تكون مفتوحة أو مغلقة".
إذن خلال هذه المجموعة من التعاريف المذكورة أعلاه يمكننا تعريف عقد البيع الالكتروني بأنه ذلك العقد الذي يبرم بين البائع والمشتري عن طريق وسائل الكترونية، بحيث يلتزم الأول بنقل ملكية الشيء مقابل ثمن يلتزم الطرف الثاني بدفعه له. و من هنا يتضح من خلال ذلك مدى الأهمية التي تلعبها العقود الالكترونية بصفة عامة، و عقد البيع التجاري الالكتروني بصفة خاصة في اطار المعاملات التجارية، وذلك راجع إلى الخصائص والمميزات التي يتميز بها عقد البيع الالكتروني. ومن ثم نتساءل عن ما هي الخصائص التي تميز عقد البيع الالكتروني والتي منحته الريادة في المعاملات التجارية؟
2ـ خصائص عقد البيع الالكتروني.
يمتاز العقد المبرم بشكل الكتروني بأنه نوع جديد من التعاقد الذي يتم فيه استغلال بعض التقنيات الحديثة لأجل تسريع وتيرة انعقاده ، مما جعل الإقبال عليه كبير من قبل المتعاملين و خاصة في إطار المعاملات التجارية نظرا للخصائص التي يتمتع بها، وهي كما يلي:
أـ عقد البيع الالكتروني: هو تعاقد عن بعد نظرا للتطور الهائل الذي يعرفه قطاع التكنولوجيا والاتصالات أصبح التعاقد يتم عبر وسائل حديثة و بطريقة غير مباشرة، أي أن هناك مسافة بين المتعاقدين "فالتعاقد الالكتروني عبر الانترنت يعد تعاقدا بين حاضرين حكما، حيث هناك تباعد مكاني بين البائع أو المنتج وبين المستهلك ولكن هناك في الغالب اتحاد زمني بين الطرفين، فالطرفان لا يجمعهما مجلس عقد واحد" ، و بمعنى آخر فإن البائع أو المورد أو المهني يتواجد في مكان، والمشتري أو المستهلك في مكان آخر أو في بلد آخر، وقد يختلف زمان التعاقد بينهما. وهذا النوع من التعاقد سمحت به تقنية تكنولوجية حديثة و متطورة، يتم من خلالها التلاقي بين طرفي العلاقة عن طريق شبكة الاتصال العالمية. ولابد من الاشارة الى أنه وقع خلاف فقهي حول طبيعة العقد المبرم بواسطة الانترنت هل هو بين حاضرين أم أنه بين غائبين؟ حيث اعتبر البعض أنه تعاقد بين حاضرين لامكانية تبادل الكلام بين الطرفين عبر الشبكة .
في حين رأى اتجاه آخر الى اعتباره تعاقد بين غائبين لأن صفة التعاقد معدة مسبقا، حيث لا يبقى أمام المتعاقد سوى القبول أو الرفض فهو أقرب الى عقد إذعان .
ورأينا نحن في هذا الاطار أن عقد البيع الالكتروني هو تعاقد بين غائبين، لأن تبادل الحديث عبر الشبكة ليس هو الأساس، وإنما يشكل محور ثانوي على اعتبار أن حجم العقود المبرمة بين الكثيرين تبلغ عددا لا يسمح معه تبادل الحديث حول كل عقد.
ب: ابرام عقد البيع الالكتروني: يتم عبر الوسيط الالكتروني إذا كان عقد البيع الالكتروني مثله مثل باقي العقود التقليدية من حيث شروط ابرامه وكذا الاطراف المتعاقدة، فإنه يختلف عنها من حيث الوسيلة أو الطريقة التي يتم من خلالها ابرامه حيث يتم ذلك باستخدام الوسائل الالكترونية الحديثة والمتطورة، كشبكة الانترنت، أو أي وسيلة اتصال الكترونية أخرى، من خلالها يستطيع الاطراف تبادل البيانات والمعلومات فيما بينهم بيسر، و من إتمام العقود التي يباشرونها، بحيث تجمعهم كل المتطلبات القانونية الضرورية لإبرام العقد .
وهو ما نص عليه القانون المغربي من خلال الفصل 65.3 من القانون رقم 53.05 "يمكن استخدام الوسائل الالكترونية ..." وتأخذ عبارة الوسائل الالكترونية مفهوما واسعا في مجال التعاقد الالكتروني حيث تشمل كل وسائل الاتصالات الالكتروني اهمها الأنترنت، وهي تقوم على التقنيات الالكترونية التي تستعمل الحواسب ذات البنية الالكترونية المعقدة والموصولة فيما بينها عن طريق العديد من شبكات الاتصال، إما عن طريق خطوط الهاتف أو عن طريق الأقمار الاصطناعية.
ج ـ عقد البيع الالكتروني هو عقد عابر للحدود (دولي): إن تأثير تقنيات الاتصال الالكتروني على العلم بادية للعيان، إذ أنها بددت وألغت الحدود الجغرافية بين الدول، حيث أصبحت المعلومة تنساب بحرية عبر الوسائل الالكترونية . بمعنى آخر أن العلاقات القانونية الناشئة عن المعاملات الالكترونية ليست حبيسة منطقة جغرافية معينة بل تتجاوز كل الحدود لتشمل كل أرجاء المعمورة، فالبائع والمشتري والمنتج قد يكونون في ثلاث بلدان مختلفة .
د: عقد البيع الالكتروني قريب من خاصية الإذعان: لا يختلف عقد البيع الالكتروني عن باقي العقود التقليدية من حيث مضمونه وتركيبته، إلا أنه وقع خلاف فقهي في شأن تكييف طبيعته هل هو من عقد الإذعان أم أنه من عقود المساومة؟ نتج عن هذا الخلاف ظهور اتجاهين فقهيين: الاتجاه الأول ذهب إلى القول أن عقد البيع الالكتروني من عقود الإذعان سندهم في ذلك أن أحد طرفيه يكون مركزه ضعيفا في العملية التعاقدية وهو المستهلك إذ ليس له مناقشة الشروط التعاقدية التي يضعها البائع أو المورد وهو ما يستدعي حمايته قانونيا من الشروط التعسفية التي يضمنها العقد المذكور .
ويدعم هذا الاتجاه بعض الفقه الإنجليزي الذي يقول أن المرسل اليه أو الموجب اليه لا يملك سوى أن يضغط على زر القبول أو رفضها كلية أي أنه ليست له امكانية مناقشة شروط العقد المعروضة . في حين يذهب اتجاه ثان إلى القول على أن العقد المومأ اليه أعلاه يعد من عقود المساومة، ويدعمون رأيهم بأنه لا يكفي للقول بأن هذا العقد من عقود الإذعان لمجرد أنه يحتوي على شروط معدة مسبقا وأنها لا تقبل المناقشة من الطرف الآخر. بل يلزم أن تكون الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها وتكون محتكرة من طرف التاجر أو المورد آنذاك يمكن القول ان عقد البيع من عقود الاذعان .
وبالتالي فإن المشتري لا يقتصر دوره على مجرد الموافقة على الشروط المعدة مسبقا، بل له مطلق الحرية في التعاقد مع أي منتج أو مورد، إذا لم تعجبه الشروط المعروضة على شاشة الانترنت ويستطيع الانتقال من موقع الكتروني الى موقع آخر واختيار ما يشاء وترك ما يشاء.
من خلال ما سبق نعبر عن رأينا بالقول أن عقد البيع الالكتروني من عقود المساومة في الغالب الا اذا كان يتعلق بالضروريات التي يصعب الاستغناء عنها، في هذه الحالة فإنه من عقد الاذعان ووجوب حماية الطرف الضعيف في العملية التعاقدية عبر الانترنت.
3- تمييز عقد البيع الالكتروني عن العقود المشابهة.
توجد مجموعة من العقود التي تبرم عبر الوسائل الالكترونية وقد يتشابه بعضها مع عقد البيع الالكتروني، لذا كان لزاما علينا تمييز هذا الأخير عن ما يمكن يختلط معه من العقود التي تبرم في الساحة الالكترونية. واهم هذه العقود هي عقد الاشتراك في الانترنت، عقد إنشاء متجر افتراضي وعقد التوطين أو عقد الإواء (عقد الإيجار المعلوماتي).
أ: عقد الاشتراك في الانترنت: يعد هذا العقد من أهم العقود إذ من خلاله يتم اللجوء إلى الانترنت و ابرام العقود الالكترونية وخاصة عقد البيع الالكتروني، بمقتضى هذا العقد يتيح مقدم خدمة الدخول الى الانترنت لعميل الوسائل التي تمكنه من الدخول إلى الشبكة، أهمها برنامج Connexion الذي يحقق الاتصال بين الكمبيوتر والأقمار الاصطناعية التي من خلالها يتم بث إشارات رقمية يتم تحويلها إلى الشكل الذي يوجد عليه الانترنت، كما يجب على المزود توفير كافة البرامج الاساسية التي تشغل الانترنت . وعليه فإن الفرق واضح بين العقدين وإن كانا كل منهما يعتبران من العقود الالكترونية إلا أن عقد البيع الالكتروني يظل متميزا عن عقد الاشتراك الالكتروني، على اعتبار أن هذا الأخير هو الذي يخلق المساحة التي داخلها يتجلى عقد البيع الالكتروني.
ب: عقد التوطين أو عقد الإواء (عقد الإيجار المعلوماتي) :يعرفه أحد الفقهاء بأنه " إتفاق إرادتين على إبرام عقد محل معلوماتي، أي بيانات ورسائل، يتم تداولها بين مستخدمي هذه المعلومات وإرسالها الى الغير بأية وسيلة كانت" .
وهو العقد الذي بمقتضاه يقوم مقدم الخدمة بتقديم الخدمات ووضعها تحت تصرف المستخدم والمشترك، وأغلب ما تكون هذه الخدمات إتاحة الإنتفاع بمساحة على القرص الصلب بأحد أجهزة الحاسوب أو إتاحة مكان على شبكة الأنترنت أو تقديم جزء من المعلومات ليتم الانتفاع بها.
حيث يتيح للمستخدم امكانية استخدام البريد الالكتروني ويكون له حرية التصرف بالمعلومات المتوافرة على الموقع وحجز مكان من سعة الموقع، في محددة، مقابل نفع مادي يدفعه لمالك هذه المنفعة.
إذن هو عقد من خلاله يقدم مزود الخدمة الى المشترك البيانات والادوات الالكترونية وتتمثل غالبا هذه الخدمات في اتاحة انتفاعه بمساحة على القرص الصلب بأحد أجهزة الكمبيوتر الخاصة به على نحو معين. لذلك فالفرق واضع بينه وبين عقد البيع الالكتروني الذي يكون محله نقل ملكية الشيء المشتري مقابل ثمن يتولى هدا الأخير دفعه.
ج: عقد إنشاء المتجر الافتراضي: يعرفه الفقه بأنه " عقد يلتزم بمقتضاه مقدم الخدمة بأن يمكن التاجر من عرض بضاعته من خلال موقع الكتروني، أو مركز تجاري افتراضي، ذلك في مقابل أجر متفق عليه".
إذن هذا العقد هو الذي يمكن التاجر من إجراء الصفقات عبر الانترنت والتعاقد مع عملائه، بمعنى عليه إنشاء موقع تجاري على شبكة الانترنت، ويستطيع من خلاله للعملاء بالولوج اليه والتجول فيه حتى يتمكنوا من العثور على السلع التي يرغبون في اقتنائها. وبالتالي فإن الفكرة الرئيسية للتجارة الالكترونية تدور حول تجميع البائعين والمستهلكين في معارض أو مراكز افتراضية، وتنقسم هذه المراكز الى قسمين: أولهما: يمكن الدخول اليه دون اجراءات معينة، لكنه يسمح بالاطلاع والتجول من أجل التعرف على السلع والخدمات المعروضة فقط دون الشراء. ثانيهما: ليتمكن من الشراء عليه أن يدخل الى القسم الثاني، ولا يتم ذلك إلا بعد اتباع اجراءات معينة تستهدف التحقق من هوية الزائر وتسجيله، وتتلخص هذه الإجراءات في أن يذكر الزائر رقم بطاقته الائتمانية أو استخدام حافظة النقود الالكترونية من أجل تيسير الوفاء وأن يكون للشخص توقيع رقمي ذو شفرة خاصة بهدف أن يعتمد التصرفات التي يبرمها. وبالتالي فان الفرق جلي بين هذا العقد وعقد البيع الالكتروني على اعتبار أن الاول ينتج عنه انشاء المراكز التجارية الافتراضية فيتولى الثاني ربط العلاقة بين البائع والمشتري من خلال هذه المراكز.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق