لحماية الحق ألاستئثاري لاستغلال براءة الاختراع قام المشرع بالتوسيع نطاق الممارسات المحظورة و التي تشكل تزييفا تستلزم المتابعة القضائية وهذا ما سنحاول إبرازه في (المطلب الأول) , إلا أن هذه الممارسات الماسة بالحق ألاستئثاري لبراءة الاختراع لا يعتد بها إلا إذا كان هناك اختراع له براءة وكان القائم بفعل التزييف متعمدا ذلك , وهذا ما سنتطرق له في (المطلب الثاني) .
المطلب الأول : ممارسات التزييف الماسة بالحق ألاستئثاري.
بناء على الفقرة الأولى من المادة 53 من قانون 79-17 المتعلق بالملكية الصناعية و التجارية , فأن أفعال التزييف الماسة بالمنتوج محل براءة الاختراع , تتحدد في قيام التزييف دون ادن مالك براءة الاختراع , ودلك كيفما كانت طريقة التعدي على هذا الحق سواء مباشرة بواسطة الشخص المزيف مباشرة (الفقرة الأولى ) أو غير مباشرة ليس الشخص المتابع بها هو من قام بفعل التزييف (الفقرة الثانية ) •
الفقرة الأولى : أفعال تزييف البراءة المباشرة.
انطلاقا من المادة 53 و54 من ق 79-17 يمكن تصنيف هذه الممارسات الماسة بالحق ألاستئثاري لبراءة الاختراع إلى ممارسات مباشرة يسأل مرتكبها بشكل مباشر عن الأفعال التي يقوم بها حيث انه لا يستلزم في هذه الحالة توفر علم القائم بها إنها تشكل تزييف فمجرد ارتكابها يعتبر تزييفا يرتب المسؤولية , وهذه الأفعال تتمثل في كل من صنع منتج مزيف من طرف الغير (أ) , أو استيراد منتوج مزيف (ب) , أو استعمال طريقة صناعية بدون موافقة صاحب البراءة (ج) .
أ ــ صنع منتوج مزيف من طرف الغير :هذا الفعل من ابرز الممارسات التي قد تمس ببراءة الاختراع , وهو يتمثل في كل انجاز أو إعادة إنتاج للمنتج المتمتع بالبراءة سواء تعلق الأمر بالإنتاج أو الصنع الذي يقوم به الشخص لحسابه الخاص أو لحساب الغير , في حالة كان متفقين على ذلك فأن الشخصين معا يعتبران مزيفين للبراءة , حتى في الحالة التي يقتصر فيها التزييف على الإصلاحات الكبرى وذلك مع استثناء الحالات التي يكون الصنع يتعلق بإصلاحات بسيطة , أو يتم في إطار خاص و لأغراض غير تجارية أو على سبيل التجربة فإنها لا تعتبر تزييفا (م 55/أ و ب ) . وتعتبر هذا الفعل المباشر الأول و الصورة الواضحة لتزييف براءة الاختراع .
ب ــ استيراد منتوج مزيف: يعتبر استيراد منتوج مزيف دون ادن صاحب البراءة إلى المغرب تزيفا حسب التعداد الوارد في المادة 53 من ق 97-17 , وهو فعل تزييف مباشر إذا ما تم استيراده من الاتجار فيه أو استعماله لأغراض تجارية أو مهنية , أما إذا كان للاستعمال الشخصي أو من اجل التجربة فلا يعد تزييفا . والمشرع هنا ضيق من حرية المستورد في إمكانية الاحتجاج بعدم علمه بكون المنتج غير مزيف أو كونه لا يعلم بواقعة التزييف فإن مجرد استيراد منتوج معين بدون إذن مالك البراءة يعد تزيفا , ويمكن متابعة المصدر كذلك إذا ثبت انه ساهم عن علم في إدخال المنتج إلى المغرب بصفة غير قانونية ,فمجرد استيراد منتوج مزيف إلى المغرب يعتبر تزيفا حتى ولو لم يتم تسويقه أو استعماله فيه , ويسأل مرتكبه مدنيا و جنائيا .
ج ــ استعمال طريقة صناعية بدون موافقة صاحب البراءة: بما أن براءة الاختراع لا تتعلق دائما بالمنتوج المخترع دائما فإن التزييف يمكن أن ينصب على براءة الاختراع المتعلقة بطريقة صنع ذلك المنتوج مثل التطبيقات الجديد لصنع منتج , أو تركيبة صيدلية جديدة للحصول على نفس المنتج الصيدلي الحاصل على براءة الاختراع , أو كان الأمر يتعلق بالوسائل المستعملة استخراج براءة الاختراع و التي تعد كذلك براءة اختراع لمن ابتكرها وله الحق ألاستئثاري علها وكل مس بهذه الحقوق و المتمثلة في الطريقة الصناعية لبراءة الاختراع يعد تزيفا, وذلك متى كان من اجل الاتجار في هذه الطريقة و تسويقها , أما إذا كان من اجل الاستعمال الشخصي أو من اجل التجربة , أو قام به صاحب حيازة سابقة له , لا يعد تزييفا ولا يمكن متابعته , حيث أن استعمال طريقة صنع دون إذن مالكها يعد تزيفا بغض النظر على الأفعال الأخرى التي تلي هذا التزييف , أو علم أو عدم علم القائم بها . وهذا فيه زيادة لحماية الحق ألاستئثاري لصاحب البراءة من الأفعال المباشرة التي تمس بها , و لتوسيع هذه الحماية أورد المشرع أفعال غير مباشرة تمس ببراءة الاختراع و تستلزم المتابعة وهذا ما سنعالجه في الفقرة الموالية •
الفقرة الثانية : أفعال تزييف البراءة غير المباشرة.
قيام التزييف حتى بالممارسات الغير المباشرة و التي تمس بالحق ألاستئثاري لاستغلال براءة الاختراع , يعد توسيعا و زيادة في الحماية لمالك براءة الاختراع , و محاولة من المشرع الإحاطة بجميع الممارسات التي قد تمس ببراءة الاختراع و التي قد تعرض على القضاء و تتمثل هذه الأفعال (الممارسات ) في عرض المنتج و الاتجار فيه ( أ ) , أو استعمال المنتج أو الطريقة الصناعية المتعلقة به ( ب ) , أو تسليم الوسائل المعدة لاستخدام الاختراع المقدمة عنه البراءة ( ج ).
يعتبر عرض( l’offre ) منتج للبيع و تسويقه لذا الزبناء قصد اقتنائه( le démarchage ) , و كل العمليات التي من شأنها استقطاب المشتري المحتمل , سواء كان هذا البيع أو العرض ضمن عمليات الترويج للمنتج أو اشهارية تهدف إلى توزيع المنتج و تقديم بيانات تتعلق به سواء كان الفاعل له صفة تاجر و يمارس التجارة بشكل اعتيادي أو قام بها مرة واحدة فقط , وسواء كان ذلك قصد تحقيق الربح أو لا , وفي جميع الحالات التي يتم فيها تداول المنتج , يساءل القائم بهذه الأفعال بفعل التزييف وذلك في الحالة التي يتوفر لديه القصد الجنائي في الاتجار في المنتج المزيف بل مجرد حيازة المنتج المزيف دون تداوله إذا ما كان القصد لفعل ذلك يتابع الفاعل بتزييف الماس ببراءة الاختراع و تطبق عليه المقتضيات المتعلقة بتزييف براءة الاختراع . ب ــ استعمال المنتج أو الطريقة الصناعية المتعلقة به يعد تزييفا الاستعمال للمنتج الحاصل على براءة الاختراع دون إذن مالكها , أو استعمال الطريقة المسلم عنها البراءة دون إذن صاحبها , إذا كان ذلك لأغرض مهنية أو تجارية , وليس للاستعمال الشخصي أو بهدف التجربة , أو تم استعماله من طرف صاحب الاختراع , إلا انه لا يعتبر مستعمل المنتج أو الطريقة الصناعية مزيفا إلا إذا كان يعلم بكونه مزيف وقام بالاستعمال عن قصد , كما أن مجرد حيازة منتج مزيف قصد استعماله في نشاط مهني أو تجاري يعتبر تزييف ,ويجب إثبات أن الحيازة تمت قصد استعمال المنتج لهذا الغرض.
ج ــ تسليم الوسائل المعدة لاستخدام الاختراع المقدمة عنه البراءة.
حسب المادة 54 من قانون الملكية الصناعية وزيادة في حماية مالك براءة الاختراع عاقب المشرع المغربي من قدم وسائل معدة لاستخدام الاختراع المسلمة عنه البراءة , اومجرد عرض تسليمها حسب رأي الأستاذ فؤاد معلال وذلك انطلاقا من الفقرة الأولى من المادة 54 من ق 97-17 , ولا يشترط قيام فعل التزييف حقيقة بهذه الوسائل و ذلك ليتم الاعتداد بفعل التزييف و قيام المتابعة به مع ضرورة أن يتم هذا التسليم أو العرض داخل المغرب , وان يكون الشخص القائم به عالما بأن الأمر يتعلق ببراءة اختراع ممنوحة لمنتج معين .
وتعتبر هذه الأفعال ممارسات ماسة ببراءة الاختراع غير مباشرة لكونها لا تتم من قبل الأشخاص المباشرين لاستغلال الحق ألاستئثاري لبراءة الاختراع كما انه لابد من توفر عنصر القصد عند هؤلاء الأشخاص لتترتب في حقهم المسؤولية , إلا أن تمديد هذه المسؤولية لهم دليل على رغبة المشرع في توسيع نطاق الحماية لبراءة الاختراع , رغم مؤاخذته على نظام التعداد لصور التزييف كما فعل نظيره الفرنسي مما قد يجعل بعض الحالات المعروضة على القضاء تخرج عن نطاق الحماية .
إلا انه لا يمكن اللجوء إلى القضاء بناء على واقعة التزييف إلا إذا توفرت شروط ألازمة لقيام فعل التزييف وهذا ما سنعالجه في المطلب الثاني.
المطلب الثاني : شروط تقدير قيام فعل التزييف.
للقول أن هناك تزييف ماس ببراءة الاختراع لابد من وجود محل لهذا التزيف و المتمثل في ضرورة أن تكون هناك براءة اختراع ( الفقرة الأولى ) , بالإضافة إلى ضرورة توفر عنصر العمد للقول أن هناك تزييف يستلزم المتابعة المدنية و الجنائية (الفقرة الثانية ) •
الفقرة الأولى : توفر العنصر المادي محل التزييف .
المقصود بالعنصر المادي محل التزييف هو أن تكون هناك براءة قائمة بشكل قانوني , ليتم قيام فعل التزييف عليها, حيث انه إذا كانت البراءة لم تقدم بعد أو فقد حق الاستئثار باستغلال البراءة بسبب عدم أدائه الرسوم أو عدم تجديد الطلب , فإن ذلك لا يعتبر تزيفا , وكذلك الشأن في حالة التصريح ببطلان البراءة , إذ أن الأثر الرجعي للبطلان يطهر كافة أفعال الاستغلال الصادرة من الغير و الواقعة على تلك البراءة فلا تعد تزييفا . ويجب الإشارة إلا أن لا يتم الاعتداد بفعل التزييف إلا بعد مرور مدة ثمانية عشر شهرا من تاريخ إيداع البراءة حسب المادة 44 من ق 97-17 , وهذا عكس ما هو عليه الأمر في التشريع الفرنسي حيث وفر لصاحب الحق ألاستئثاري الحماية في الحالة التي يقوم فيها هذا الأخير بتبليغ نسخة من الطلب إلى الغير الذي يدعي انه زيف اختراعه, أما إذا تم التزييف بعد تسجيل براءة الاختراع في السجل الوطني للبراءات بإمكان صاحبها أن أن يتخذ كافة التدابير و يمارس كافة الدعوى و منها دعوى التزييف , ومنه يمكن القول انه ليتم الاعتداد بالتزييف لابد من توفر شرط تسليم براءة الاختراع كمحل يقوم عليه التزييف , إلا انه ليس الشرط الوحيد بل هناك شرط أخر سنتعرف عليه في الفقرة الموالية.
الفقرة الثانية : توفر عنصر العمد كموجه لقيام التزييف.
فعل التزييف دافظع أساسي لسلوك الدعوة المدنية أو الجنائية حيث انه ليتم متابعة مرتكبه لابد من مراعاة حسن أو سوء نيته في ارتكاب تلك الأفعال , وفي هذا الصدد كما سبق وأشرنا في المطلب الأول يميز المشرع بين أفعال النزيف المباشرة التي تم النص عليها في المادة 53 و 54 بمقتضى الإحالة عليهما في المادة 201 من ق . م. ص , و التي لا يتطلب فيها دورة توفر العمد لقيام فعل التزييف وبين تلك الأفعال غير المباشرة التي نص عليها في الفقرة الثانية من نفس المادة (201), و التي لابد أن يتم إثبات سوء نية مرتكبها ليتمكن صاحب البراءة سلوك الدعوى المدنية المتعلقة بتزييف اختراعه , ضد المتاجر فيه أو المستعمل له بدون إذنه , وفي هذه الحالة يكتفي القضاء في الغالب بالاعتماد على القرائن لاستخلاص سوء النية للمرتكب فعل التزييف لترتيب المسؤولية تجاهه إلا أنه في بعض الحالات يمكن أن يشكل فعل التزييف جريمة يتابع صاحبها عن طريق الدعوى الجنائية إذا ترتب عن التزييف ضرر مس بصاحب البراءة و الغيار كذلك وفي هذه الحالة لابد من توفر عنصر العمد ليتم الاعتداد بفعل التزييف حيث جاء في المادة 213 من ق.م.ص " كل مساس عن عمد بحقوق مالك براءة ... يعتبر تزييفا و يعاقب عليه..." , وتم النص على ضرورة توفر العمد في المادة 214 كذلك , وهذا ما يوجب ضرورة توفر عنصر القصد لدى مرتكب فعل التزييف , ويعلم أن المنتج الذي يزيفه هو براءة اختراع وليس منتج عادي , لتحميله المسؤولية الجنائية وذلك سواء كان فعل التزييف مباشر أو غير مباشر .
ومنه لابد من توفر عنصر العمد كشرط لقيام فعل التزييف و كذا لترتيب المسؤولية التي توجب المتابعة سواء عن طريق الدعوى المدنية أو الدعوى الجنائية كآليتين أوجبهما المشرع لحماية براءة الاختراع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق